عطلت الأحزاب السياسية المشاركة في حكومات ما بعد دستور 2011، مسار التنمية
بالبلاد، بسبب تشكيلاتها الحكومية الهشة، وافتقادها لمخططات وبرامج ومشاريع تنموية.وترسيخها الارتجالية والأساليب الترقيعية في المعالجة والتقويم. وبسبب اعتمادها الولاءاتالحزبية والعائلية في الإستوزار، وتوزيع المناصب السامية. وتغييبها للطاقات والكفاءاتالتي تزخر بها البلاد. تلك التشكيلات الحكومية، التي أفرزت وزراء وموظفين سامين،مهتمين بالتفاهات والملذات وإرضاء نزواتهم وخواطر أولياء نعمهم. مما كبد البلاد خسائرالمالية، وضياع للزمن والجهود. وعلق التنمية في البلاد، في انتظار النموذج الملكيالتنموي المرتقب. وفي انتظار أن يستفيق رئيس الحكومة من سباته، ويبحث بجد وعقلانيةعن مغاربة أكفاء لشغل مناصب المسؤولية الحكومية.
كم هي جد مرتفعة كلفة تعيين وزير جديد بالمغرب، وفق منطق الأحزاب السياسية، التي لميكتب لها أن تتطهر من الفساد والاستبداد. لن نبحث في الطرق والوسائل التي يعتمدها كلراغب في الإستوزار، باستعمال سلالم الأحزاب السياسية ومصاعدها الالكترونية السرية، أو أدراج التكنقراط الناذرة. والتي غالبا ما تكلف المعني بالوزارة ومن يدعمه خسائر مادية ومعنوية.. و لن نخوض في الحديث عن راتب الوزير، ولا في التعويضات الممنوحة له بسخاء عن السكن و التنقل والمهام و.. والتي سال مداد كثير بشأنها..ولا عن تقاعده المريح وشارة الوزير التي يرفض التخلص منها بعد إعفاءه من مهمته.سنكتفي بالغوص في أعماق وبواطن ما يكلفه سعادة الوزير من أموال وأعباء ثقيلة وهدرللزمن والطاقات البشرية والمادية .. على الدولة، مباشرة بعد تعيينه من قبل ملك البلاد،واستلامه المسؤولية الوزارية.. تلك المسؤولية التي يكون الولوج إليها مفتوحا، بدون شروطالتخصص والكفاءة المهنية داخل القطاع. ويتم اعتبارها مهمة سياسية وليست وظيفية… علما أن من يلبس جلباب الوزير، يخيل له أنه يدير ضيعة.. وأن عليه التدخل في كل صغيرة وكبيرة، واتخاذ قرارات بعيدة عن الأطر والكوادر التي تزخر بها وزارته… والنتيجة مشاريع ومخططات فاشلة، وتبذير للأموال، وهدر للوقت والطاقات البشرية.. وتعليقوتعطيل الانتقال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديمقراطي ..إن أبرز ما يشغل بال الوزير الجديد، الوفاء بالوعود، ليس للمغاربة، ولكن لذوي القربىوالمناضلين منهم داخل حزبه. حيث تتم التضحية ببعض الموظفين والأعوان والحراسوالسائقين القدامى، داخل الوزارة ودواوينها والمرافق التابعة لها بالعمالات والأقاليم،وتعويضهم بآخرين موالين له.. كما يعمد إلى تغيير عتاد وتجهيزات بعض المكاتب، ضمنها مكتبه الرئيسي، ولما لا حتى سيارات الخدمة، التي لا يكتفي بتسخيرها لشخصه وأسرته، بل حتى لبعض من أدمجهم في قطاعه.. وكذا إضافة مكاتب أخرى. وإنجاز طوابع وأختام خاصة به، وتغيير تلك الخاصة بالمسؤولين التابعين له، وربما تغيير أسماء الوزارة أو بعض المصالح والأقسام.. كما وقع مؤخرا بوزارة التربية الوطنية، بعد أن تم تغيير اسم (النيابةالتعليمية) باسم (المديرية الإقليمية للتعليم). إضافة إلى أن بعض الوزارات، أو كتاباتالدولة، يتم حذفها أو إحداثها مع كل تشكيل حكومي جديد، وتتطلب بناء مقرات، وتجهيزها،وتوفير الموارد البشرية، وإحداث أو إعادة تهيئة أو تعديل المرافق المحلية والإقليميةوالجهوية والمركزية التابعة لها، وتمكينها من كل التجهيزات المكتبية والأثاث والأختاموأشياء أخرى تختلف باختلاف أخلاق وسلوكيات كل وزير ..هذا دون الحديث عما قد ينتاب الوزير من حب العظمة، ورغبة في التخلص من كل أثر أوبصمة للوزير السابق، حيث يتم تعليق مشاريع الوزارة أو تحويل أموالها إلى مشاريع أخرى.. وعدم مواصلة العمل بدراسات ومخططات وبرامج الوزير السابق التي صرفت من أجلها أموالا باهضة. ويبادر إلى صرف أموال أخرى من أجل فرض بديلا لها، وعدم الاهتمامبشراكات الوزارة واتفاقياتها الوطنية والدولية..كلمة (وزير) لا تفرض التنافس والتباري العادل من أجل الحصول عليها، وتكتفي توفرالراغب في حملها على درجات عالية من الولاءات الحزبية أو المخزنية. كلمة يقرأها العارفين برموز التواصل السرية، من اليسار.. ليحصلوا على كلمة (ريزو). ويدركون أن الفوز بها، يقتضي الحصول على (ريزو قوي) شبكة معارف تمكنه من تغطية واسعة للداعمين له وانتزاع كل ما يطمح إليه.وزير يحل غريبا على وزارة، بعشرات المكاتب والأقسام والمصالح والمديريات و… يدخل مكتبه ولسان حاله يردد .. أين القط لأقتله.. عاملا بمقولة (النهار الأول يموت المش).. يظهر بمظهر القائد المخيف والمرعب، عوض الظهور بمظهر البديل الجاد والمسؤول.. وعوض أن يؤمن ب(حسن النية) في الموظف والحارس والعون.. وأن يعطي لنفسه فرص التعرفعلى تصميم وزارته. تلك المتاهة التي تعج بالرفوف والمكاتب والمستودعات والمخازنوال..، واستيعاب طبيعة عملها. وربما قد يدرك أن تلك الوزارة ليس بها قطط، بل أسودولبؤات وأشبال، يدركون قيمة العرين الذي يحضنهم أكثر منه..لكن سعادة الوزير لا يدركالأمر إلا بعد مرور عدة أشهر.. يكون قد تعرف فيها على حقائق الأمور.. بما فيها أخطاءهوتجاوزاته التي إما تمت بسبق إصرار وترصد، أو عن خطأ أو جهل، أو بضغط من تلكالقوى التي دفعت به إلى كرسي الزعامة، لتستغل منصبه، ومرافقه في قضاء مصالحهاالشخصية.. ويكون إذن قد بذر أموالا، وأهدر وقتا، وأحبط موظفين، وعطل طاقات وكفاءاتوبرامج ومشاريع.. ويكون قد رسخ للفشل الحكومي الذي أصبح مرضا وراثيا يصعبالتخلص منه.
إنها كلفة تعيين وزير جديد بالحكومة، بعد أقل من شهر من تقلده مهام الوزارة، والتي لا أحدتحدث عنها.. خسائر مادية وبشرية، وتعثر منذ البداية، يجعل كل من يقف عليها، يجزم بأنلا خير يرجى ممن تسبب فيها.. وأن مشوار الألف ميل الخاص بسعادة الوزير، قد رسمتهخطواته المتسرعة في أقل من شهر.. والتي قد تؤدي به إلى تعطيل قطار الوزارة.. وترغمه على استعمال وسائل نقل تقليدية.. والتوقيع على وثائق وملفات تشوبها الشوائب والنواقص..ليعرج بالوزارة ومهامها إلى المجهول.. ويطبق عليه المثل المغربي العامي .. قيل (فلانطاح، قالوا، من الخيمة خرج مايل) .. ولو أننا لم نرى يوما وزيرا قد سقط.. ورأينا بالمقابلوإلى درجة الملل و الكآبة، أجيالا سقطت في وحل البرامج والمشاريع الفاشلة، والوعودالكاذبة..
كلفة جد مرتفعة إذن ، يؤديها الشعب المغربي من ماله وطاقاته وصبره ورجاءه.. لم نسمع عنها في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والمنظمات الحقوقية، والمحاربين لناهبي المال،ولا داخل مفتشيات الوزارات.. ولم نسمع عن وزير خجل من نفسه، واعترف بها. وعمد إلىتصحيح ما يمكن تصحيحه، وخصوصا تلك الأطر والكوادر المغربية التي كتب عليها أنتعمل تحت إمرته.. والتي يعبث بمهامها وشخصياتها سياسيا بعيدا عن مصالح البلاد العباد..