الكاتب الأردني : فضيل الغباري
لا أظن أن العالم العربي في القرن المنصرم، قد عرف ملكاً وحاكماً، كالراحل الحسن الثاني رحمه الله .
فهو لم يكن حاكماً وملكاً فحسب، بل يمكن القول انه يستحق بجدارة لقب ( الملك الفيلسوف ) من حيث انه كان فيلسوف حُكم وسياسة بما تعنيه تلك الكلمات من معانِ محمولة فيها .
ولو نظرنا الى مفهوم الحكم بعامة، فهو يعني أن رجلاً ما تولى سُدة الحكم إما على دبابة كما فعل بعض الحكام، أو برجل أحسن استخدام ظروف طارئة محلية او دولية، ليتولى على إثرها كرسي الرئاسة .
لكن الأمر مختلف حين الحديث عن – الحسن الثاني – الذي جمع في شخصه عدة شخوص فريدة من نوعها، منها شخصية الرجل المثقف العصري والحداثي، وشخصية الرجل المتشبث بالماضي العريق بتراثة القيم . وتلك ليست تقمصات فنية اقتضتها ضرورات فن الحكم ومستوجباته، بل كانت تعبيرات حقيقية عن شخصيتة، التي جمعت مكونات الثقافة المعاصرة الممزوجة بجميل التراث المغاربي .
وعليه إن كانت الفلسفة في علومها تعرف بانها حب الحكم، فالملك كان حكيماً جمع بين مفهومي الأصالة والمعاصرة . وان كانت السياسة تعني فن ادارة حكم البلاد، فالراحل كان مدبراً وحامياً لمملكتة التي توسطت مكانتها، بين حداثة العالم الغربي، وأصالة العالمين العربي والاسلامي .
وإن كانت السياسة تعني المقدرة على التواجد الدائم في الاوساط المحلية والاقليمية والدولية، فالراحل كان فارساً من فرسان العوالم العربية والاسلامية والافريقية والدولية.
وككاتب أذكر اني عشت عدة سنوات من عمري بعد المسيرة الخضراء الى بداية الثمانينات، في المغرب، وما أحسست يوماً بالراحل، الا منفرداً ومتميزاً في حكمة بين اقرانه .
وحينما كنت طالباً وقتذاك في الجامعة أدرس الحقوق، قلت اقول لطالباً مغربياً، ان الملك الحسن الثاني، ملكاً رؤوفاً بالطلاب . فدهش من جوابي، وبررته له قولي وقتها، انكم معشر الطلبة لا تعرفون كم من الرسوم والمصاريف الدراسية يدفعها الطالب الشرقي ليلج الجامعة، وانتم تدرسون هنا بالمجان، بل وتتقاضون منحاً دراسية . فكيف لو عرفتم ان ساعة الدراسة في بعض التخصصات، تكلف الطالب 200 دولار، اي مقدار المنحة التي تتقاضونها يدفعها الطالب الشرقي، ثمناً لساعة دراسية واحدة . وعودة لذي بدء يقال عن الراحل الكثير …. ومنها : – كان إن تحدث باللغة الفرنسية تظنه من أهلها، وان تحدث بالعربية التي هي لغتة، ظننته من أهل الفصاحة والبلاغة والخطابة المتقنة بلا تكلف .
وإن تحدث في الدين بين اهل العلم من العلماء، فلن يكون اقل منهم شأناً وعلماً . ناهيك عن دفاعه عن القضايا العربية والمصيرية، ومنها القضية الفلسطينة ومشاركة جنود مملكتة في حرب يوم 6 اكتوير 1973 م . ناهيك عن نجاحه في استرداد صحرائه من ايدي الاسبان عام 1975 م .
أذكر فيما أذكر أنه سئل يوما ما، عن جمعه بين الملكية والمعارضة و فكان من اجاباته أن المعارضة لو لم تكن موجودة لا أوجدها . في الوقت الذي كانت المعارضات السياسية في العالم العربي ممنوعة ومحظورة . فأي عقلية سياسية وعبقرية فذة كانت له وقتذاك .
رحم الله الملك الراحل الحسن الثاني، ذاك الذي كان فيلسوف حكم بحق .